بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسان في نظر الماديين:
الإنسان في نظر الماديين، في نظر التائهين، في نظر الشاردين قبضة من تراب هذا الأرض، منها نشأ وعليها يمشي، ومنها يأكل وإليها يعود، هو كتلة من اللحم والدم والعظام والأعصاب، والأجهزة والخلايا والعقل، وفي نظر الماديين ما التفكير إلى مادة يفرزها المخُّ كما تفرد الكبد الصفراء أو كما تفرز الكلية البول، وهو هو كائن في نظر الماديين ليس له أهمية، ولا امتياز على غيره، إنه أحد الأحياء الكثيرة المتنوعة، بل هو من جنس هذه الهوام والحشرات والزواحف والقرود، غاية أمره أنه تطور بمرور الزمن فأصبح هذا الإنسان بل إن بعض العلماء الماديين رد الجسم إلى العناصر الأساسية فخرج بالنتائج التالية:
في الإنسان بالوزن المتوسط قدر من الدهن يكفي لصنع سبعة ألواح من الصابون.
فيه قدر من الفحم يكفي لصنع سبعة أقلام رصاص.
فيه قدر من الفوسفور ما يكفي لصنع مائة وعشرين عود من الثقاب.
فيه من الحديد ما يكفي لصنع مسمار متوسط.
فيه من الكلس ما يبيض به بيت دجاج صغير.
فيه من الكبريت ما يطهِّر جلد كلب ميت.
فيه من الماء ستة عشر كالوناً.
هذه المواد التي يرجع إليها الإنسان لا تزيد عن دولارين، بضدها تتميز الأشياء.
هذا الإنسان في نظر الماديين،
الإنسان في نظر خالق الأكوان:
• إنه المخلوق الأول،
• المخلوق المكرم،
• خلقه الله في أحسن تقويم كرمه أحسن تكريم، صوره فأحسن صوره، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه،
• أسجد له ملائكته،
• ميزه بالعلم والإرادة،
• وجعله خليفته في الأرض،
• وجعله محور النشاط في الكون،
• سخرَّ له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تكريم وتعريف،
• أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة،
• فكل ما في الكون له ولخدمته، أما الإنسان فهو لله تعالى.
ورد في بعض الآثار القدسية:
ابن آدم، خلقت كل ما في الكون فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء
قال تعالى في القرآن الكريم:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5))
[سورة العلق]
الإنسان مخلوق أول، الله ربه..
في القرآن الكريم في آيات كثيرة بين قرب الإنسان من الله، أقرب المخلوقات إليه، وبين قرب الله من الإنسان.
أيها الإخوة الكرام:
هذا القرب حطم كل أسطورة من أساطير الوسطاء والسماسرة والمرتزقين بالأديان، الذي جعلوا أنفسهم حجاباً على أبواب رحمة الله الواسعة،
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
[سورة البقرة]
ليس بينك وبين الله حجاب:
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115))
[سورة البقرة آية 115]
وفي سورة المجادلة:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7))
[سورة المجادلة]
وفي الحديث القدسي:قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ:
إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد]
هذه مكانة الإنسان عند الله، إنه أقرب المخلوقات إليه، أما مكانته في الملأ الأعلى، قال تعالى:
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29))
[سورة الحجر]
لقد سخر الله له كل ما في هذا العالم لنفعه ولإصلاح أمره، الآيات:
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20))
[سورة لقمان]
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12))
[سورة الجاثية]
(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13))
[سورة الجاثية]
آية أخرى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
[سورة الإسراء]
آية أخرى:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34))
[سورة إبراهيم]
النفخة التي في الإنسان والتي هي من روح الله جعلته مستعداً للخلافة في الأرض، مستعداً لحمل الأمانة الكبرى، مستعداً لحمل أمانة التكليف، قال تعالى:
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72))
[سورة الأحزاب]
جعله هكذا، وجعله مختاراً، جعله عالماً وجعله مختاراً، قال تعالى:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11))
[سورة الشمس]
إن فجرت تعلم أنها فجرت، وإن اتقت تعلم أنها اتقت:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11))
أعطاه حرية الاختيار، قال تعالى:
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29))
[سورة الكهف]
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11))
الإنسان في الإسلام:
الإسلام ـ أيها الإخوة ـ سما بالإنسان، فاعترف به كلاً، جسماً وروحاً، عقلاً وقلباً، إرادةً ووجداناً، غرائز هابطة، وأشواق صاعدة، لم يضع في عنقه غلا، ولا في رجله قيداً، ولم يحرم عليه طيباً، ولم يغلق في وجهه باب خير، ولم يدعه للمتاجرين بالدين يتلاعبون به، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6))
[سورة الإنفطار]
قال أبو بكر العربي:
ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، ذلك بأن الله سبحانه وتعالى خلقه حياُ، وعالماً، وقادراً، ومتكلماً، وسميعاً وبصيراً، ومدبراً حكيماً
قال الإمام الغزالي:
قرب العبد من ربه سببه تحليه بالصفات التي أمره أن يتخلق بها، من هنا قيل تخلقوا بأخلاق الله
أمره بالعلم، أمره بالبر، أمره بالإحسان، أمره باللطف، أمره بإفاضة الخير، أمره بالرحمة بالخلق، أمره بالنصيحة لهم، وإرشادهم إلى الحق، ومنعهم من الباطل، هذا بعض الخلافة في الأرض.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ
[أخرجه البخاري]
وأما ابن القيم يقول:
اعلم أن الله تعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه، بأن كرمه، وفضله، وشرفه، وخلقه لنفسه، وخلق له كل شيء، وخصه بمعرفته، ومحبته، والقرب منه، وإكرامه بما لم يعط غيره، وسخر له سماواته وأرضه، وما بينهما، حتى الملائكة استخدمهم له، وجعلهم حفظة له، في منامه وفي يقظته، وظعنه وإقامته، وأنزل إليه، وعليه كتبه، وأرسله وأرسل إليه، وخاطبه وكلمه، فللإنسان شأن عند الله ليس كشأن بقية المخلوقات
هل عرف الإنسان قيمته؟..
هل عرف الإنسان أنه المخلوق الأول؟..
هل عرف الإنسان أن الله خلقه لنفسه؟..
هل عرف الإنسان مهمته في الحياة الدنيا؟..
هل عرف الإنسان أن الله خلقه لجنة عرضها السماوات والأرض؟
الإنسان يحتقر نفسه إذا أعرض عن الدين، أما إذا أقبل على الدين فقد عرف قيمته، وعرف شأنه عند الله عز وجل.
الإنسان عندما يعرف قيمته يعرف…
الإنسان من خلال القرآن الكريم وهو كتاب المسلمين الأول،
• الإنسان لم يُخلق عبثاً،
• ولم يُترك سدى،
• إنما خُلق لغاية وحكمة،
• لم يُخلق لنفسه
• ولم يُخلق ليكون عنصراً عبداً لعنصر من عناصر الكون،
• ولم يُخلق ليتمتع كما تتمتع الأنعام،
• لم يخلق ليعيش هذه السنين التي تطول أو تقصر ثم يبتلعه التراب ويأكله الدود ويطويه العدد.
الإنسان عندما يعرف قيمته يشعر…
إن اعتقاد الإنسان بكرامته على الله، ومكانته في الملأ الأعلى ومركزه القيادي في الكون يجعله يشعر بذاته، ويغالي بقيمة نفسه، لأنه يعتز بانتسابه إلى الله، وارتباطه بكل ما في الوجود، فيحيى عزيز النفس، هذه بعض آثار الإيمان في النفس..
يحيى عزيز النفس، عالي الرأس، لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.
ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير
من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه
لذلك يعيش الإنسان عزيز النفس عالي الرأس أبياً للضيم عصياً على الذل والهوان، بعيداً عن الشعور بالتفاهة والضياع، والعدم والفراغ.
الإنسان ـ أيها الإخوة ـ حينما يعتقد أنه خليفة الله في أرضه، ونائبه في إقامة الحق، وإفاضة الخير، وإشاعة الجمال، يشعر أن الكون كله في خدمته، وأن الملائكة الكرام في حراسته، وأن رب الوجود معه، وأنه من فصيلة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
الإنسان المؤمن يشعر أن وجوده لا ينتهي بالموت، الموت محطة على خط سيره، وداره لا تنتهي بالقبر، الإنسان المؤمن يزور القبر زيارة، ثم يخرج منه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال تعالى:
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))
[سورة التكاثر]
القبر يُزار زيارة، ولا يُستقر فيه إلى أبد الآبدين، إن المؤمن الحق يشعر أن وجوده لا ينتهي بالموت، وأن داره لا تنتهي بالقبر، إنه خلق للخلود وللأبد الذي لا ينقطع ولا يزول،
شتان بين الشعوين:
شتان بين شعور غير المؤمن بأنه مجرد حيوان ناطق، أو حيوان مفكر، من فصيلة راقية، ليس له قبل جذور، وليس له بعد موته امتداد، وليس له في حياته صلة بالوجود الكبير، أكثر من صلة القرود به.
وبين من يعتقد أن الإنسان هو المخلوق الأول، وأنه المخلوق المكرم، وأنه المخلوق المكلف، وأن الله سبحانه وتعالى أنعم عليه بنعمة الإيجاد، ونعمة الهدى والرشاد، أنعم عليه بنعمة الإمداد، خلقه لنفسه، وخلق الكون كله من أجله،
أي شعور يشعر به الإنسان حينما يعرف قيمته عند الواحد الديان،
أي شعور يجعله ينطلق من قوقعته ينطلق إلى رحابة الكون ليحقق وجوده، لينشر دين الله عز وجل ليكون خادماً للحق، ليكون سبباً بهدى الناس.. أيها الإخوة الكرام
من عرف نفسه عرف ربه
وأن الله سبحانه وتعالى لم يسلمك إلى أحد من خلقه:
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57))
[سورة هود]
حينما يعرف الإنسان قيمة نفسه، يتلو قوله تعالى:
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123))
[سورة هود]
حينما يعرف الإنسان قيمة نفسه يتلو قوله تعالى:
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11))
[سورة التغابن]
كلما قرأ آيةً من كتاب الله ملأت قلبه أمناً وطمأنينة وعزة وكرامة وعاش حياة أخرى لا يعيشها الماديين.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: خطبة الجمعة – الخطبة 0592 : آثار الإيمان في حياة الفرد.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-11-15 | المصدر